ما السر في حكمة البعض؟

٢٠- شرح اسم الله الحكيم

تجلس مع فلان فتعجبك حكمته التي بدت واضحة من أفعاله وكلامه

تقرأ لأحدهم فترى ينابيع الحكمة تتفجر مع كلماته العذبة

فتقول في في نفسك من أين لهم هذه الحكمة؟

ياليتني أوتيت بعضاً منها أو أوتيت مثلها

والسر في ذلك

ستعرفه وأنت تتأمل إسم الله الحكيم

افتح قلبك لتفهم هذا الاسم

عندما نتأمل بعض الأقدار، يأتي بداخلنا السؤال الفضولي

لماذا حدث هذا القدر؟ من الحكمة منه ؟

و أيضاً عندما نتفكر ببعض العبادات قد نتساءل

لماذا افترضت علينا هذه العبادة ؟ ومالحكمة منها؟

وبالمناسبة.. هناك إجابات لبعض الأسئلة وهناك أسئلة لا نعرف إجاباتها، حكمةً من الله الحكيم

لنتدبر معاً اسم الله الحكيم ولنتفهم ما وراء معانيه

الدليل على اسمه الحكيم:

ورد في القرآن في واحد و تسعين موضعاً، منها:

(وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

(سورة لقمان-٢٧)

{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}

(آل عمران-18)

{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}

(سورة فصلت-42)

المعنى اللغوي( للحكيم ):

قيل الحكيم: ذو الحكمة

والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم.

ويقال لمن يحسن دقائق الصناعات و يتقنها حكيم..

(١)

قول العلماء في معنى اسم الله الحكيم:

قال الطبري في تفسيره: الحكيم هو الذي لا يدخل تدبيره خلل ولا زلل .

قال السعدي: ( الحكيم ) الذي له الحكمة العليا في خلقه وأمره، الذي أحسن كل شيء خلقه

 ( ومن أحسن من الله حُكما لقوم يوقنون ) [المائدة:٥٠]، فلا يخلق شيئاً عبثاً ولا يشرع سدى.

الذي له الحكم في الأولى والآخرة، و له الأحكام الثلاثة

لا يشاركه فيها مشارك، فيحكم بين عباده في شرعه وفي قدره،..)

والحكمة : وضع الأشياءمواضعها،

 و تنزيلها منازلها. انتهى كلامه رحمه الله

عندما تعرف اسم الله الحكيم بعمق ستدرك أولاً أن الحكيم تنقسم حكمته إلى قسمين كما قال أهل العلم:

١- حكمته سبحانه في خلقه وصنعه.

٢- حكمته سبحانه في أمره وشرعه.

وحكمته في

١- خلقه وصنعه تتجلى في:

– حسن خلقه للمخلوقات من كون عظيم وكائنات بديعة

– إتقانه لجسم الانسان

– وحكمته النافذة في كل ما خلق

٢- حكمته في أمره وشرعه:

– تتضح في تشريعه للشرائع

– وإنزاله للكتب وإرساله للرسل

عندما نتحدث عن حكمة الله الحكيم  جل في علاه فنحن نتحدث عن تدبيره للأمور

ووضعه للأشياء في مواضعها بطريقة سديدة لا خلل فيها ولا زلل

هذا التدبير الذي يعجز أي حكيم عنه

..

هل تعلم أن كل مايحدث في الكون

وفق حكمة الله الحكيم ؟

ويأتي السؤال هل تبصر قلوبنا حكمته في الأشياء كلها أو حتى بعضها؟

هل نستشعر معاني حكمته؟

أليس من حكمة الحكيم؟

خلقه للسماوات المرفوعة بلا أعمدة

فلولا حكمته و قدرته لسقطت السماوات

لكنه حكيم في خلقه لها

أليس من حكمة الحكيم  ؟

أنه أرسل الرسل و الكتب ؟

ولولا حكمته لأصبحنا كالبهائم لا نعرف شيئاً

أليس من حكمته أنه أعطانا القرآن لننهل منه الحكمة و العلم و لتتنور بصائرنا و وتمتلأ قلوبناو تستقيم به ؟

أليس من حكمته أنه يبتلينا ببعض الابتلاءات التي تؤلم قلوبنا لكنها تقربنا إليه و تهذب نفوسنا و تكبر عقولنا ؟

أليس من حكمة الحكيم الابتلاء بالفتن ليختبر الله ثباتنا و رجوعنا إليه ؟

أليس من حكمة الحكيم أنه جعل البشر مختلفون في ألسنتهم و ألوانهم وديانتهم وفكرهم ليكمل بعضهم بعضاً ؟

نعم والله

ولأنه حكيم خلق المرأة مرأة و الرجل رجل

ليتزواجوا و يتناسلوا ..

ولأنه حكيم اعتنى بالمرأة اعتناءً عظيمة و افترض عليها الستر صيانة و رعاية لها

ولأنه حكيم ابتلانا ببعض الأشخاص المزعجون ليختبر صبرنا و تحملنا وحكمتنا في التعامل معهم

لأنه حكيم يؤخر بعض أرزاقنا ويقدم بعض حسب المصلحة التي قد لا تعييها عقولنا وقد تعييها عقولنا متأخرا

ولأنه حكيم أنعم على البعض بالنعم الجليلة ومنع البعض اختباراً لقلوبهم

 ولأنه حكيم أمرنا بالعبادات البدنية والقلبية اختباراً لطاعتنا إياه

أتدري ماذا تحتاج قلوبنا ؟؟

قلوبنا بحاجة قصوى أن ندرك أن كل أقدار الله تنبع من حكمته العظيمة

فكم من قدر قد حسبته شراً لك

لكنه في طياته كان يحمل الخير المحض

وكم من شيء منعه الله عنك بكيت لمنعه لكنك لم تبصر أن الحكمة في هذا المنع

أقدار الله وخلقه كلها حكمة

كرر ذلك على قلبك

وذكر نفسك بهذا الشيء

 و متى ما امتلأ قلبك ثقة بحكمة الله الحكيم

   لن يتسخط قلبك ولا لسانك أبداً

 و نأتي لمواقف الحياة التي لا تنتهي

نحن كبشر تحدث لنا مواقف كثيرة في حياتنا

وتتطلب منا أن نتصرف بحكمة

في بعض المرات نوفق لها

 و في البعض الآخر  للأسف لا نوفق لها

وهذه المواقف إما في علاقتك مع الله

أو في تعاملك مع البشر أو في تصرفنا مع الأشياء

فكم من أمور قد استقامت بالحكمة

وكم من أمور هدمت بسبب غياب الحكمة

الحكمة ..

يحتاجها الصغير والكبير

يحتاجها الطالب وغيره

يحتاجها كل موظف في وظيفته

يحتاجها الزوج  والزوجة في بناء أسرهم

يحتاجها الوالدين في تربية أبناءهم صغارا كانوا أو كبارا

يحتاجها كل أحد

 ويأتي السؤال كيف يكون لي نصيباً من الحكمة؟

قبل كل شيء تأمل  وتفكر في قول الله جل في علاه :

{ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَى الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } [ البقرة : 269]

يقول السعدي في تفسيره:

(من آتاه الله الحكمة فقد آتاه خيرا كثيرا وأي خير أعظم من خير فيه سعادة الدارين والنجاة من شقاوتهما! وفيه التخصيص بهذا الفضل وكونه من ورثة الأنبياء، فكمال العبد متوقف على الحكمة، إذ كماله بتكميل قوتيه العلمية والعملية فتكميل قوته العلمية بمعرفة الحق ومعرفة المقصود به، وتكميل قوته العملية بالعمل بالخير وترك الشر، وبذلك يتمكن من الإصابة بالقول والعمل وتنزيل الأمور منازلها في نفسه وفي غيره، وبدون ذلك لا يمكنه ذلك…) انتهى كلامه رحمه الله

١-الحكمة التي تريدها وتؤمن بداخلك أنك محتاج إليها

رزق وعطاء من الله المعطي الرزاق الحكيم

ولأنها كذلك كان لزاماً على من يريدها

أن يطلبها من الله ويتوسل إليه وينطرح بين يديه ..

ما رأيك أن تعوّد نفسك أن تشكو إليه حاجتك القصوى لها ؟

ثق تماماً أن الله لن يردك إن طلبتها منه

وألححت عليه ووقفت عند بابه ..

٢- وبقدر قربك من الكتاب والسنة وبالفهم الصحيح لهما

الفهم، الذي يحبه الله و يرضاه

ستكون متلقياً لها من منبيعيها الأصليين.

لنأخذ مثالاً على ذلك:

عندما تتعلم العلم الشرعي سترزق الحكمة

ومن بركة هذا العلم سيوفقك الله للتعامل الحكيم مع من حولك

٣- مجالستك لأهل الحكمة يعينك على اكتسابها وتعلمها

كأن يرزقك الله أهلاً ذوي حكمة أو أن تجالس أصحاباً ذوي حكمة

وهذا فضل عظيم ..لأن هذه المجالسة ستكسبك الحكمة بطريقة عملية

وبالمناسبة.. فلكبار السن حكمة رائعة رزقهم الله إياها، فاحرص على مجالستهم

قالت لي إحداهن: مصاحبتي لأهل الحكمة جعلت مني امرأة حكيمة في سن صغيرة

فصحبتي علمتني الحكمة بطريقة عملية من خلال تصرفاتهم الناضجة وسلوكياتهم المتزنة

٤- البعض رزقهم الله الحكمة عطاءً منه فشكروا عطاءه

فعملوا  بها وكانوا عوناً للآخرين، ينيرون دروب من حولهم

بالحكمة ويهدونهم للطريق الصواب ..

والحكمة كلما أنفقت منها كلما عادت إليك أضعافاً مضاعفه

كيف؟

 من أعطاه الله الحكمة وأخذ يساعد الناس ويعلمهم إياها ويعينهم على حل مشكلاتهم ويبصرهم بما يحتاجون، فإن الله يوفقه ويزيده حكمة ويكرمه ويبارك له ..

هل عرفت الآن السر في حكمة البعض؟

هل عرفت كيف لك أن تتلقى الحكمة وتتحلى بها ؟

أسأل الله الحكيم أن يرزقنا الحكمة أجمعين

—————————

1-( ولله الأسماء الحسنى – د.عبدالعزيز الجليل )

كتبته فجر بنت عبد الرحمن الكوس