ما السر في تقدم وتأخر بعض الأقدار؟

15 شرح اسم الله المقدم

16واسم الله المؤخر

لو سألتك؛

– هل تخلو حياتك من تقديم أو تأخير؟

– هل ذقت التأخير تارة أو التقديم تارة أخرى؟

– هل تسير حياتك كما تريد و تشتهي بلا أي تأخير أو تقديم ؟

بكل تأكيد؛ ستقول: لا..

لأن الحياة من سننها الثابته في الكون التقدم و التأخر..!

هل تعلم أنك إذا فهمت هذين الاسمين – المقدم والمؤخر-

ستشعر بالحكمة و البصيرة تجاه أمور كثيرة ؟

لنبدأ الآن على بركة ونتذوق جمال معرفته جل في علاه ..

المعنى اللغوي للمقدم والمؤخر:

المقدم: يقال قَدَمَ يقدُمُ و تقدم يتقدم وأقدم يقدم

واستقدم يستقدم بمعنى واحد

المؤخر: قال في اللسان: و التأخر ضد التقدم

والتأخير ضد التقديم

المعنى في اصطلاح العلماء:

قال الخطابي : المقدم هو المنزل للأشياء منازلها، يقدم ما يشاء منها، و يؤخر ما شاء ،

قدم المقادير قبل أن يخلق الخلق و قدم من أحب من أوليائه على غيرهم من من عبيده،

ورفع الخلق بعضهم فوق بعض درجات ،

و قدم من شاء بالتوفيق إلى مقامات السابقين .

و أخَّر من شاء عن مراتبهم و ثبطهم عنها،

و أخر الشيء عن حين توقعه لعلمه بما في عواقبه من الحكمه.

لا مقدم لما أخَّر ولا مؤخر لما قدم .

قال (( و الجمع بين هذين الأسمين أحسن من التفرقة))

الدليل:

– ما رواه البخاري ومسلم عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنه قال:

كَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ:

(( اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ..

حتّى قال: اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ،

وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ،

وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ،

لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ )).

– ما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسَى رضي الله عنه

عن النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ:

(( رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي، وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ،

وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَعَمْدِي،

وَجَهْلِي وَهَزْلِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ،

وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ،

وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )).

– ما رواه الترمذي وغيره عن علِيِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ:

(( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ،

وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ )).

قبل أن بالشرح أود التنويه على أن هذان الأسمان من الأسماء المتقابلة

التي لابد ذكرهما معاً

لأن الكمال في اقترانهما معاً كما ذكر أهل العلم ..

لنضع كلاً من المقدم والمؤخر في حياتنا ونتعايش معهما كي تتنور بصيرتنا..

الله المقدم جل في علاه هو المنزل للأشياء منازلها

فحين نتساءل:

لماذا حصل هذا القدر وفي هذا التوقيت ؟

تكون الإجابة:

لأنه المقدم و المؤخر

قدم المقادير كلها وكتبها في اللوح المحفوظ

لماذا تقدمت بعض الأمور؟

لأنه المقدم !

– يتقدم فلان صاحبك في مقاعد الدراسة ويتخرج وأنت تتأخر عن التخرج

– يتزوج فلان الأصغر منك سنا و أنت لم تتزوج بعد

– تذهب لقضاء معاملة فتتقدم على من معك وتتأخر أوراقهم

– تبدأ العلاج فتستجيب له وتتقدم في الشفاء وهم يتأخر شفاؤهم

– يتقدم الأصغر منك سناً في العلم وتتقدم أنت في التجارة و المال

هو الله المقدم و المؤخر الذي يقدمك في أشياء

و يؤخرك عن أشياء لحكم عظيمة تخفى عنك

ثق أن التقديم و التأخير يحمل في طياته الحكم العظيمة التي قد تعجز الجبال عن حملها..!

لذلك لا تحزن و لا تيأس إن تأخر رزقك فالله قد يكون أخر الرزق

لكنه قدم لك نعم عظيمة لا تعد و لا تحصى

إن سنة التقديم و التآخير

في الدراسة

و الوظيفة

والزواج

و الذرية

و التجارة

والمشاريع

والشفاء

وفي الأرزاق عموماً

هي أقدار مكتوبة ولا مهرب منها

فلا تكن ممن يتسخط على الله

فالعارف بالله حين يقول: لماذا تأخر رزقي؟

يأتيه صوت في داخله يقول له :

لأن الله هو المقدم و المؤخر لذا كان التأخير

وهذا التأخر الذي يقض مضجعك يخفي في داخله ألطاف لاتعد و لاتحصى

ليس التأخر المؤلم هو تأخر الرزق فحسب بل الأشد إيلاماً تأخر العبد في سيره إلى الله

الله عزوجل رفع الخلق بعضهم على بعض

و نرى فلان متقدم في العلم

وآخر متقدم في الصيام

وفلان متقدم في القرآن

فمن الذي قدمهم ؟

الله جل في علاه المقدم

وماقدمهم إلا لعلمه أنه يستحقوا هذا التقديم

يقول النووي في شرح مسلم :

(يقدم من يشاء من خلقه إلى رحمته بتوفيقه

ويؤخر من يشاء عن ذلك لخذلانه )

حينما يقدمك الله للطاعة و لما يحب فهذا من توفيقه

و حينما يؤخرك فهذا من الخذلان و نعوذ بالله من الخذلان

تأمل في حياتك وتأخيراتك و تقديماتك

و تيقن أن الأمر به الحكمة الخير

فلان يصلح له التأخر في الدراسة وفلان لا يصلح له إلا التقدم و السبق !

فلان يصلح له التأخر في الزواج و فلان لا يصلح له إلا التقدم في الزواج

فلانة يصلح لها التأخير في الإنجاب

و فلانة لا يصلح لها إلا السبق في الإنجاب

فلان يصلح له السبق في العلم و الدعوة و فلان لا يصلح له إلا التأخر

هذا هو الله المقدم و المؤخر جل في علاه

نسأله أن ينور بصائرنا في كل تأخر و تقدم بحياتنا

ضع هذان الاسمان نصب قلبك وعقلك

عالج بهما مشاعرك و أفكارك عندما يهمك التقديم والتأخير ..

ذكر نفسك كثيراً و كرر عليها أنه المقدم و المؤخر جل  في علاه

و ستجد في تكرارك و إمعانك بهما شفاءً راقياً لروحك و قلبك ..

كتبته فجر بنت عبد الرحمن الكوس