تصفحت ذكرياتي السابقة
وتمحصت فيما تحتويه من خبرات متواضعة ،
فما وجدت حادثة لها أثر في قلبي كهذه..

لذا أنصحكم بالتمعن فيها و فهم ما وراء سطورها …

إذ أنها خلاصة لتجربة رااائعة خلفت في نفسي أثرا لن أنساه أبدا..

لنعد إلى مقاعد الدراسة قليلاً..
وبالتحديد في آخر فصل دراسي بالثانوية حيث كان أطول فصل شهدته في حياتي
و ربما أطلته بسبب تمللي منه وما أمر به من مشاعر تنتابني كأي طالبة على وجه التخرج
حيث كنت أشعر بالشقاء و أحاول تضخيم الهموم و المتاعب ..

دعوني بدايةً أعرفكم بنفسي ..
أنا طالبة مجتهدة و كان الامتياز هو تقديري الدراسي و لم أقبل بمستوى دونه …
و قد شاء الله عز وجل أن أسجل بمقرر فن تشكيل المعادن رغما عني…
و الأدهى من ذلك أن المقرر في آخر ساعة دراسية بالمدرسة و لكن ما العمل فمجبرة أختكم لا بطلة …

في بداية أيام الدراسة لم أحضر أول يومين بسبب وعكة صحية ألمت بي
وما أظنها إلا بسببٍ نفسي!!..
ثم حضرت و أنا مستاءة -بداخلي-
و ليس لدي أدنى استعداد لأن أغوص في هذا الفن ..
كان يوماً عادياً إذ طلبت مني المعلمة أن أشترى الأدوات الفنية و اشتريتها
و بدأ من ذلك اليوم زياراتي المتكررة لمركز بيع الأدوات الفنية ..

بدأت في عمل الخطوة الأولى من خطوات مقرر فن تشكيل المعادن و هي رسم التصميم و كم بحثت أياما كثيرة عن التصميم الذي يرضي معلمة الفنية و يحوز على إعجابها و بعد أسبوع تم بحمد الله الموافقة على التصميم المناسب…

كان مستوى أدائي رديء جدا
وكانت المعلمة دائما تنبهني على أخطائي
و كنت في حيرة من أمري
فأنا أرى أن هذه قدرتي و ليس لدي حيلة.
و ما كان يؤلمني كلماتها القاسية عندما تقول لي كلمات تشعرني و كأني لا افهم شيئا في هذا الفن…

و عندما رأيت النتيجة في الشهر الأول “جيد جدا” أخذت أبكي بكاء الأطفال لأن مادة الفنية التي يعتبر أنها من المواد الاختيارية هي أدنى درجة في الشهادة،،
و بعدها جعلت من مادة الفنية مصدر لجميع الهموم و المشاكل أذهب إلى البيت متذمرة أشكو قسوة المعلمة و أصبح المقرر هو شغلي الشاغل…

و في مرة من المرات و عندما كنت أشكل المعدن جاءت المعلمة لترى عمل كل طالبة لتقيمها
قلت لها: ما رأيك بعملي؟
قالت لي عبارة جميلة أعطتني دفعة للأمام ..
قالت : أنت ممتازة فأخلاقك الرفيعة خير دليل على ذلك …

أتعلمون لماذا قالت هذه الكلمات؟؟
لأني على الرغم من عدم تقبلي للمعلمة والمقرر لم أرفع صوتي أبدا في وجهها
فكنت دائما أحترمها و أوقرها …
و أحرص على الحضور مبكرا ,,
و لم أستهن بالحصص الدراسية
في حين أن أغلب طالبات الشعبة لم يعيروا المعلمة أدنى احترام أو توقير..

و جعلت من الفنية مصدر اهتمامي و بدأت محاولاتي الجادة رغبة مني للوصول إلى المستوى المطلوب
ومع كثرة عملي أحببت هذا الفن وأصبحت أمارسه بكل حب و إتقان و تغيرت نظرتي لفن تشكيل المعادن…

و في الشهر الثاني كانت النتيجة مذهلة
لقد حصلت على تقدير الامتياز في مقرر الفنية …

في نهاية الفصل كنت أجلس في مرسم الفنية وأعمل بكل حماس وحب للعمل
و أصبحت لوحتي الفنية من اللوحات التي يضرب بها المثل
والكل يبدي إعجابه بهذه اللوحة…

تمثلت اللوحة لتصميم رائع جدا ..
عبارة عن كوخ رائع وسط حديقة صغيرة و كان التصميم يوحي بالأمان و الهدوء
وكأن هذا المكان هو عالمي الصغير..

و في امتحان العملي لنهاية الفصل وجهت لي المعلمة أمام زميلاتي كلمات لن أنساها ما حييت و لا يزال سمعي و قلبي يحتفظان بها،، قالت:انظروا إلى زميلتكم.. كنت أعلم عند بدئها في العمل أنه ليس لها أي خلفية في الفن
و عندما شرعت فيه كان مستوى أدائها رديء بل و سيئ للغاية
لكنها لم تيأس
إنها – بصبرها و بمثابرتها- أصبحت لوحاتها من أروع اللوحات فأنا حقاً أهنئك من كل قلبي على جدك وإصرارك يا غاليتي…

و تم تعليق جميع لوحاتي في المرسم لتكون بمثابة وسام و تقدير لي على هذا العمل …

لم تنته القصة ..
حيث المفاجأة.. في يوم توزيع الشهادات ذهبت دون توقعات مسبقة لدرجاتي
استلمت الشهادة..
و كم كانت فرحتي لا توصف ..
كان تقديري ( أ ) في الفنية
نعم.. لقد أخذت الامتياز في هذا المقرر
و لكني لم أخرج منه بخبرة تشكيل المعدن فقط
بل اكتسبت خبرات حياتية قد تكون هي من أروع الخبرات التي استفدتها في عالمي الصغير..

* أروع ما تعلمته أن الأيام قصيرة
فلا نطيلها بشكوانا ..

وعلينا أن نتعلم أن الصبر و عدم الاستسلام لليأس يثمران للإنسان كل ما يريد..